نظرية التعلق – كيف تؤثر أنماط التعلق على حياة الفرد؟

 

نظرية التعلق

ترتكز نظرية التعلق على العلاقات والروابط بين البشر، وعلى وجه التحديد العلاقات طويلة الأمد والتي تستمر لفترات طويلة في حياة الشخص.

أنماط التعلق, أنواع التعلق



 أصول النظرية:

بدأ الأمر عند عالم النفس الشهير "فرويد" والذي يفترض أن ارتباط الطفل بأمه نتيجة للتغذية وهذا الارتباط يوفر له عنصر الأمان.

وضع عالم النفس والمحلل البريطاني "جون بولبي" أسس نظرية التعلق بعد أن طلبت الأمم المتحدة منه إنتاج كتيب عن الصعوبات التي يواجهها الأيتام والأطفال المشردون بعد الحرب العالمية الثانية.

تعتبر نظرية بولبي دراسة متعددة التخصصات تغطي مجالات النظريات النفسية والتطورية والأخلاقية. كان تأثره واهتمامه بالقضية واضح نتيجة لما كابده في طفولته.

يعتقد " بولبي" أن البشر مبرمجون بيولوجياً لبناء روابط مع الآخرين، كما أن التعلق ينشأ عند الطفل منذ ولادته، تعبيراً عن حاجته الدائمة للبقاء على اتصال دائم مع مقدم الرعاية _وغالباً الأم_ (monotropy) وهذا السلوك يعتبر آلية حماية لبقاء الطفل وإنجاب أطفاله فيما بعد، وبالتالي استمرارية وبقاء النوع.

اعتقد "بولبي" أن سلوكيات التعلق كانت غريزية وهذا بالإضافة إلى أن تفعيله يعتمد على أي شرط قد يهدد تحقيق القرب مثل الانفصال أو انعدام الأمن أو الخوف.

اعتقد أن استمرار انقطاع الرابطة الأولية بين الطفل ومقدم الرعاية يمكن أن يؤدي إلى صعوبات إدراكية واجتماعية وعاطفية طويلة الأجل لهذا الطفل، وتزداد الفترة الحرجة وهذه الصعوبات كلما زادت مدة انقطاع الطفل للرعاية، وأنه إذا تم كسر هذه الرابطة بأي شكل لطفل أقل من عامين فسيعاني من عواقب طيلة حياته، ويستمر الخطر حتى ٥ أعوام.

مساهمات أخرى:

أكدت دراسات "هاري هارلو Harry Harlow"على أن الرعاية الأولية لا يعني التغذية في هذه المرحلة.

أوضحت دراسات "ماري اينسورث Marry Ainsworth" المعتمدة على "نظرية بولبي" تأثير التعلق على

السلوك،والتي تختلف مع نظرية بولبي التي تفترض أن التعلق عملية واحدة إما أن يوجد أو لا، ولكن من خلال تجربة الوضع الغريب (SSC) التي أجرتها في سبعينات القرن الماضي، وجدت اختلاف في ردود أفعال وأشكال تعلق الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين ٩ إلى ١٨ شهر بعد انفصالهم عن مقدمي الرعاية وإعادة تواجدهم.

توصلت "أينسورث" إلى وجود تلاتة أنماط رئيسية للتعلق: الآمن، متجنب غير آمن، متناقض / مقاوم 

 تم التعرف في ( 1990) على نمط تعلق رابع وهو التعلق الغير منظم عن طريق " مين و سولومون".

 تعتبر أنماط التعلق نتيجة لتفاعلات مبكرة بين الأم والطفل، وكمان قال "دانييل جولمان" في كتاب "الذكاء العاطفي" الأسرة هي المدرسة الأولي للتعلم العاطفي.

أنماط التعلق:

  •  التعلق الأمن  Secure Attachment:

يعتبر هذا النوع من التعلق الأكثر إيجابية، يشعر الطفل الذي لديه هذا الأسلوب بالحماية والأمان في وجود مقدم الرعاية، لكنهم يعانون من قلق الانفصال Separation Anxiety في حالة غيابه، ويعتبر هنا وجود مقدم الرعاية بمثابة الحالة الأمنة وما إن توافرت يمكنه الانطلاق واستكشاف العالم. ينعكس هذا الأسلوب على حياته في الكبر ورغبته في الاستقرار وإقامة علاقات طويلة الأمد، ويكون لديه قضايا ثقة أقل، وزيادة احترام الذات ، والاستمتاع بالتفاعل مع الآخرين ، وتكوين مشاعر متبادلة.

  • التعلق الغير أمنInsecure Attachment:

ينقسم إلى ثلاثة أنواع:

1.   التعلق المتجنب أو الرافض  Avoidant Attahment:

يعتبر الطفل المصاب بهذا النمط لا يجد مشكلة في الانفصال عن ذويه من الأهل والأصدقاء، ولكن تكمن المشكلة في حالة إعادة لم الشمل. تظهر عليه علامات تدل على التجنب والرفض كعدم التقاء الأعين أو الملامسة.

لا تعتبر المشكلة في انفصال الطفل عن والديه لمدة قصيرة ، ولكن في حالة غيابهم لمدة طويلة فإنهم يصبحوا منفصلين عن مشاعره وحاجاته العاطفية ، وقد تكون لأشياء أخرى أكثر أهمية من علاقته معهم. يعاني هذا النوع عند البلوغ ونجد أنه من الصعب تكوين علاقات وثيقة، حيث لا يمكنهم مشاركة عواطفهم ومشاعرهم مع شركائهم ، وإنهاء العلاقة لن يسبب لهم أي ضائقة.   

2.  التعلق غير الآمن المتناقض Ambivalent Attachment:

يعتبر الطفل غير قادر على اعتبار والديه كقاعدة أمنة، ويكون التناقض سيد الموقف، حيث أنهم يعتمدون على مقدم الرعاية الخاص بهم في بعض اللحظات ، ويرفضون مقدم الرعاية في لحظات أخرى. قد يظهر الطفل العدوان مع والديه وقد يمارس الاعتماد المفرط عليهم، كما أنه يجد صعوبة في استكشاف أماكن جديدة، كما يشك الطفل في الغرباء ، هذا الأسلوب يجعله متشبثاً، والذي سيتطور إلى شخص بالغ يعتمد بشكل مفرط، وقلق عندما تنتهي العلاقات ويظهر تجنباً عند الاقتراب من الآخرين، وخاصة في العلاقات الرومانسية.

            3.  التعلق الغير منظم  Disorganised Attachment:

يحدث نتيجة اضطراب أو تشويش في تعامل الأباء مع أطفالهم، كما يعاني كلا من الأبناء وآبائهم بالارتباك والخوف مما يعزز كل منهما شعور الآخر، وفي حالة إهمال اطفل وعدم الاهتمام به وسوء معاملته يتولد عنده الخوف والتجنب، قد يستجيبون بالعدوانية أو بالضيق العاطفي، ولا يمكنهم تهدئة أنفسهم.

بما أن هذا النمط مشتق من الصدمة والخوف وانعدام الثقة وسوء المعاملة في كثير من الأحيان فإن الطفل لا يستطيع الشعور بالأمان أبدًا والاقتراب على الرغم من سعيه الدائم إلى القرب، وعلى الرغم من كون مقدمي الرعاية مسيئين إلا أنهم يستمرون في الارتباط بهم لأن قالبهم غير منظم.

تعد هذه الأنماط الأربعة تنطبق أيضاً على الطريقة التي يتعلق بها البالغين بشركائهم وذويهم فيما بعد، كما تعتبر أنماط التعلق هذه مؤشر مهم على الصعوبات والتحديات التي سيواجهها كل طفل بناءاً على نمط تعلقه، وطبيعة الحياة والعلاقات التي يحظى بها في حينه وفي المستقبل.

التعرف على هذه الأنماط يفيدك في التعرف على طبيعة تعلقك بمن حولك وإفادة من يعنيك أمرهم في حالة معاناتهم بأي نمط من أنماط التعلق.

 

تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بداية..